زيادة المبيعات 300 مليون دولار سنويا بسبب تعديل صغير جدا

الجمعة، 23 ديسمبر 2016

بدأت القصة في 2009 حين طلب متجر إلكتروني من شركة متخصصة في التصميم وسلوك المستخدم مساعدتهم على زيادة المبيعات عبر المتجر. يروي القصة بطلها جاريد سبول الذي أسس شركة UIE (اختصار لـ هندسة واجهة المستخدم). بدأ جاريد وفريقه بمراقبة المستخدمين للمتجر الإلكتروني، بالتعاون مع فريق مبرمجي ومطوري ومصممي المتجر، للتعرف على الوضع الحالي ومدى سهولة الانتهاء من عملية الشراء على المتجر.

الاكتشاف الأول – المستخدم لا يريد أي مشاكل أو تعقيدات أو توقعات

بمراقبة نتائج الاحصائيات وبرمجيات متابعة تقدم المستخدم في صفحات موقع المتجر، بدا واضحا أن الشخص العادي كان يدخل إلى المتجر، ثم يختار ما يريد شراءه، ثم يصطدم بمربع صغير يطلب منه إما التسجيل أو إدخال بياناته السابقة. القادم الجديد كان يسجل (في أغلب الأحيان) وأما المستخدم الذي يعود للمرة الثانية فكان يصطدم بمشكلة صغيرة: لقد نسي الاسم الذي اشترك به، وإن تذكره فأغلب الظن أنه نسي كلمة المرور.
حين يعرض عليه الموقع إعادة إدخال كلمة المرور، فهذا يتطلب منه تذكر كلمة مرور الدخول على بريده الإلكتروني. حين اتفق جاريد مع عينة من الناس للشراء من الموقع وواجهتهم هذه المشكلة وقاموا بطلب إعادة ضبط كلمة المرور، هبطت الرسالة البريدية المعدة لهذا الغرض في مجلد السخام ولم يعثر عليها المشتري المحتمل.
من واقع مراقبة سلوك المستخدمين، تبين أن هذه الخطوة تتسبب في رحيل قطاع كبير جدا من المشترين المحتملين، مشترين كانوا يريدون دفع مال للشراء من المتجر، لكن المتجر رفض ذلك.

الاكتشاف الثاني – فريق تقنية المعلومات لا يصلحون كتجار وبائعين

عانى جاريد من مصيبة أخرى: أي تعديلات طلب إدخالها على صفحات المتجر الإلكتروني استلزمت 3 أسابيع من الانتظار لكي تكون فعالة. في البداية طلب جاريد إدخال أكواد إحصائية لمعرفة عدد الذين طلبوا إعادة ضبط كلمة المرور. بعد الانتظار، تبين أن 40% من المشترين نسوا كلمة المرور وطلبوا إعادة ضبطها.
بعدها طلب جاريد من فريق تقنية المعلومات في المتجر الإلكتروني إضافة برمجيات إحصائية إضافية لمعرفة عدد الذين طلبوا إعادة ضبط كلمة المرور، ثم عادوا بعدها لإدخال بياناتهم والشراء من الموقع. مرة أخرى، مرت 3 أسابيع من الانتظار الممل. بعدها جاءت النتائج، أقل من 25% من طلبات إعادة كلمة المرور تمت بنجاح، ومن شريحة الـ 25% هذه، فقط 20% من المستخدمين عاد ليكمل الشراء فعلا.

الاكتشاف الثالث – قد يكون متجرك الالكتروني رابحا – لكنه في الحقيقة يفرط في أرباح محتملة أضعاف أرباحه الحالية

أجرى جاريد حسبة بسيطة من أجل تقدير الخسائر المترتبة من التعنت في طلب بيانات المشتري المحتمل، ووجدها تصل إلى 300 مليون دولار سنويا من المبيعات المحتملة. بعدها سلم جاريد توصياته إلى إدارة المتجر الإلكتروني، والقائمة على حذف هذا المربع وعدم إجبار المشتري المحتمل على إدخال بياناته، والسماح بالشراء دون إدخال بيانات التسجيل.

تغيير بسيط أدى إلى زيادة المبيعات بمقدار 300 مليون دولار سنويا

ما حدث أن إدارة المتجر قررت تطبيق توصية جاريد وهو ما حدث بالفعل، إذ عرض الموقع رسالة مفادها أن التسجيل ليس شرطا لكن ينصح به وسمح بالشراء دون تسجيل. في الشهر الأول من التطبيق بلغت زيادة المبيعات 15 مليون دولار، وفي أول سنة بلغت زيادة المبيعات 300 مليون دولار كما توقع لها جاريد. نعم، إزالة هذا المربع الصغير كان له هذا الأثر الكبير في زيادة المبيعات بهذا القدر.
الآن دعنا نتوقف هنا. أريدك أن تتخيل معي لو كنت أنت في محل صاحب هذا المتجر الإلكتروني، وطلبت من انسان بسيط أن يقدم توصياته لك من أجل زيادة مبيعات متجرك. ثم عاد لك هذا الرجل وطلب منك أن تحذف مربع صغير وأن تسمح للمشترين بعدم تسليم بياناتهم لك. أريدك أن تكونا صادقا معي وتضع نفسك في هذا الموقف – ماذا كنت لتفعل؟
من واقع خبرتي على مر أكثر من 15 سنة، دعني أؤكد لك أنك كنت سترفض هذه التوصية، وكنت ستتهم هذا الانسان بالخبل وأنه غير مؤهل، وكنت ستصر على رأيك وتثق في خبراتك. للخروج من خطر التعميم، سأضيف جملة: إلا من رحم ربي.

معضلة التسويق: لا يهم ما تظنه، ما يهم هو العميل وما يفعله

هذه المعضلة أواجهها كثيرا، حين أعمل مع أناس مطلوب منهم التسويق لمشاريعهم.الخلاف الدائم بيننا على سبيل المثال هو أنهم يرون أن وضع أيقونة واحدة في نهاية الرسالة الدورية الإلكترونية يكفي، وأن القارئ سيعثر عليها ويضغط وينتهي الفيلم نهاية سعيدة. ثم يأتي الواقع والتجربة بمبيعات ضعيفة أو منعدمة.
اقترح عليهم تكرار أيقونة اشتر الآن مرتين أو ثلاثة، والأهم قبل الحاجة لسحب شاشة قراءة البريد الإلكتروني لأسفل. كذلك أطلب منهم عدم كتابة عرائض وصحف مطولة من ألف صفحة وإرسالها على البريد الإلكتروني للعميل المحتمل. حين أقول لهم القليل كثير وأن الاختصار أفضل من الاسترسال، أجد آذانا صماء وعقول مدبرة لا مقبلة ونظرات مستنكرة.

ميراث فراغ الصحراء و سيد العبيد

الآن، السطور التالية تقدم فرضية خاصة جدا، تحتمل الخطأ أو الصواب، جاءت نتيجة خبرتي الشخصية ومن واقع خبرتي الضعيفة، حيث وصلت لافتراض مفاده هو أننا كعرب، ورثنا الخوف من القليل والرغبة في الكثير. البيئة الطبيعية العربية بالأكثر صحراء جافة جرادء لا زرع فيها أو ماء.
بشكل عام، قلما ستجد في عموم البيئة العربية غابات وارفة وأنهار جارية وسحب ممطرة. (نعم، عدا بعض البلاد على حدود المنطقة العربية، لكن معظم المنطقة العربية هو الصحراء الجرداء). هذه البيئة جعلت العادة هي قلة أو انعدام كل شيء حول العربي.
لأن الممنوع مرغوب، فبالتالي العربي ليس من الراغبين في البساطة أو القليل من الأشياء، بل يريد الكثير والكثير من كل شيء وأي شيء ليعوض جفاف البيئة الطبيعية التي نشأ فيها أجداده وأسلافه. (طبعا إلا من رحم ربي ومع التأكيد على أنه لا توجد نظرية واحدة تتحقق على كل البشر في كل الأزمان وأني لا أقصد أي إهانة أو انتقاص من قدر أي عربي لكني فقط أنبه إلى بعض العيوب).
العنصر الثاني الذي يترك بصمته على العقلية العربية بشكل عام، هو ميراث بيع وشراء العبيد. في أغلب الأحوال، أنا وأنت جئنا من نسل عربي سبق له التجارة في العبيد منذ مئات / آلاف السنين. نعم، هذه التجارة انقطعت الآن – لكن ذكراها لا تزال عنصرا فاعلا في سلوكياتنا وفي الجينات الوراثية التي جئنا للدنيا لنجدها حاضرا يفرض نفسه علينا دون وعي منا. حتى إذا نجوت من نسل سيد العبيد، العيش في مجتمع مليء بالعبيد يترك أثره في بقية الناس، حيث يعاملون الآخرين على أنهم عبيد.
إذا دققت فستجد العربي لا يمانع في أن يرسل رسائل سخامية آلاف المرات لأناس لا يعرفهم طمعا في دفعهم للشراء منه ولو بدون رضاهم. ستجد المدير العربي لا يمانع في شراء قوائم بريدية وإرسال ملايين الرسائل السخامية. [بل وستجد بعضهم يشعر بلذة كبيرة حين تقول له لقد طلب أناس ألا تردهم رسائل منك فيقول هؤلاء بالذات تبدأ بهم وترسل لهم وابلا من السخام وليس رسالة واحدة. هذا الأمر وجدته ينطبق على المدير الآسيوي أيضا، وبعض الغربيين الانتهازيين، للتأكيد على أنه ليس مقصورا على جنس بعينه.]
حقيقة حيرتني هذه السلوكيات في عدد من الوظائف التي عملت فيها مع فريق عمل عربي. لا احترام لخصوصية الآخرين، والمادة هي ما يهم والربح هو سيد الموقف. بعد سنوات طوال من العمل في مجال التسويق على المستوى العربي، أرى أن افتراضي هنا يعطي تفسيرا مقبولا من الناحية الجدلية، وطبعا يجب وضعه قيد التجربة للتعرف على مدى صحته. ما يهمني هنا هو أن تنتبه لهاتين النقطتين وأن تتأكد أنك لا تقع فيهما.
الفقرة السابقة كان الغرض منها أن أطلب منك أن تتبع سياسة القليل كثير، وأن العميل ليس عبدا، وأن احترام خصوصية الغرباء سيجعلك تكسب قلوبهم ومن ثم أوامر شرائهم ومن ثم زيادة المبيعات . إذا خرجت من هذه السطور بهذا المعنى فأنت الرابح.

الشاهد من القصة:

ما لا يمكنك حسابه لا تستطيع إدارته. لا تترك أي شيء للتوقعات. قم بحساب كل شيء. يجب عليك معرفة أن المستخدم ليس سوبر، وأنه لا يعرف أي شيء عنك، وأن الذكاء هو في زيادة المبيعات لا في عرض ألغاز وطلاسم لا يمكن حلها.
لا تفترض، ضع كل توقعاتك قيد الاختبار. اتفق مع أناس عاديين وأعطهم مبالغ من المال واطلب منهم أن يشتروا من متجرك وأن يجربوا منتجك، ثم أعطهم الأمان لأن يقولوا لك ما لا تريد سماعه أو ما لم تتوقع سماعه.
لا توجد قاعدة واحدة تنفع في كل المواقف. هناك حالات يجب فيها أن تتبع صوتك الداخلي وتترك كل ما يقوله هذا الشبايك.
نعم، متجر أمازون يصر على إدخال بيانات المشتري قبل السماح له بالشراء، لكن أمازون بلغ قدرا عملاقا من الحجم يجعله لا يصلح للمقارنة بمتجر إلكتروني ناشيء أو صغير (مرة أخرى، هذه المدونة تهتم بالقطاع الصغير والناشئ من الأعمال التجارية، ما عدا ذلك لديه مواقع أفضل بكثير يجد فيها ما يبحث عنه) كما ويرى بعض الخبراء أن أمازون لو أسقط هذا الشرط فستتضاعف مبيعاته بأرقام خيالية، [ولربما يتحف الزمان محدثكم ليجلس مع الخواجة بيزوس ليعرف منه الحكمة من فعل ذلك.] هذه المقالة الانجليزية تؤكد على ذلك.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق